بسم الله الرحمن الرحيم.
التوحيد وأنواعه للعلامة ابن عثيمين
سئل فضيلة الشيخ أعلى الله درجته في المهديين : عن تعريف التوحيد وأنواعه ؟
فأجاب رحمه الله تعالى :
التوحيد لغة : " مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء واحداً "
وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى المُوحَّد، وإثباته له، فمثلاً نقول
: إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية
عما سوى الله عز وجل ويثبتها لله وحده، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض،
والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم، فلو قلت مثلاً :
" فلان قائم " فهنا أثبتَّ له القيام لكنك لم توحده به، لأنه من الجائز أن
يشاركه غيره في هذا القيام، ولو قلت : " لا قائم " فقد نفيت محضاً ولم
تثبت القيام لأحد، فإذا قلت: "لا قائم إلا زيد " فحينئذ تكون وحدت زيداً
بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع، أي
إن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً .
وأنواع التوحيد بالنسبة لله عز وجل تدخل كلها في تعريف عام وهو
" إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به " .
وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة :
الأول : توحيد الربوبية .
الثاني: توحيد الألوهية.
الثالث : توحيد الأسماء والصفات .
وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء و النظر في الآيات والأحاديث فوجدوا أن
التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة أنواع :
الأول : توحيد الربوبية : وهو
" إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك، والتدبير "
وتفصيل ذلك :
أولاً: بالنسبة لإفراد الله تعالى بالخلق فالله تعالى وحده هو الخالق لا خالق سواه قال الله تعالى :
( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو )
وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار :
( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون )
فالله تعالى وحده هو الخالق خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وخَلْقُهُ يشمل ما
يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً، ولهذا كان من تمام
الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالقٌ لأفعال العباد كما قال الله
تعالى :
( والله خلقكم وما تعملون )
ووجه ذلك أن فعل العبد من صفاته، والعبد مخلوق لله، وخالق الشيء خالق
لصفاته، ووجه آخر أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة، والإرادة
والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل وخالق السبب التام خالق للمسبب .
فإن قيل :
كيف نجمع بين إفراد الله عز وجل بالخلق مع أن الخلق قد يثبت لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى: ( فتبارك الله أحسن الخالقين)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين :
" يقال : لهم : أحيوا ما خلقتم " ؟
فالجواب على ذلك :
أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله فلا يمكنه إيجاد معدوم، ولا إحياء
ميت، وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل الشيء من صفة إلى صفة
أخرى وهو مخلوق لله - عز وجل - فالمصور مثلاً، إذا صور صورة فإنه لم يحدث
شيئاً غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء كما يحول الطين إلى صورة طير
أو صورة جمل، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة فالمداد
من خلق الله عز وجل، والورقة البيضاء من خلق الله عز وجل، هذا هو الفرق
بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله، عز وجل وإثبات الخلق بالنسبة إلى
المخلوق .
وعلى هذا يكون الله سبحانه وتعالى منفرداً بالخلق الذي يختص به .
ثانياً :
إفراد الله تعالى بالملك فالله تعالى وحده هو المالك كما قال الله تعالى :
( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير )
وقال تعالى : ( قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه
) فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده، ونسبة
الملك إلى غيره نسبة إضافية فقد أثبت الله عز وجل لغيره الملك كما في قوله
تعالى :
( أو ما ملكتم مفاتحه )
وقوله.. ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم )
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً لكن هذا الملك
ليس كملك الله عز وجل فهو ملك قاصر، وملك مقيد، ملك قاصر لا يشمل،
فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد،
ثم هذا الملك مقيد بحيث لا يتصرف الإنسان فيما ملك إلا على الوجه الذي أذن
الله فيه ولهذا نهى النبي، صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وقال الله
تبارك وتعالى : (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً )
وهذا دليل على أن ملك الإنسان ملك قاصر وملك مقيد، بخلاف ملك الله سبحانه
وتعالى فهو ملك عام شامل وملك مطلق يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء ولا
يسأل عما يفعل وهم يسألون .
ثالثاً :
التدبير فالله عز وجل منفرد بالتدبير فهو الذي يدبر الخلق ويدبر السماوات والأرض كما قال الله سبحانه وتعالى :
( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين )
وهذا التدبير شامل لا يحول دونه شيء ولا يعارضه شيء .
والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات كتدبير الإنسان أمواله وغلمانه وخدمه
وما أشبه ذلك هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق فظهر بذلك صدق صحة قولنا
: إن توحيد الربوبية هو " إفراد الله بالخلق والملك، والتدبير "
التوحيد وأنواعه للعلامة ابن عثيمين
سئل فضيلة الشيخ أعلى الله درجته في المهديين : عن تعريف التوحيد وأنواعه ؟
فأجاب رحمه الله تعالى :
التوحيد لغة : " مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء واحداً "
وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى المُوحَّد، وإثباته له، فمثلاً نقول
: إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية
عما سوى الله عز وجل ويثبتها لله وحده، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض،
والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم، فلو قلت مثلاً :
" فلان قائم " فهنا أثبتَّ له القيام لكنك لم توحده به، لأنه من الجائز أن
يشاركه غيره في هذا القيام، ولو قلت : " لا قائم " فقد نفيت محضاً ولم
تثبت القيام لأحد، فإذا قلت: "لا قائم إلا زيد " فحينئذ تكون وحدت زيداً
بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع، أي
إن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً .
وأنواع التوحيد بالنسبة لله عز وجل تدخل كلها في تعريف عام وهو
" إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به " .
وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة :
الأول : توحيد الربوبية .
الثاني: توحيد الألوهية.
الثالث : توحيد الأسماء والصفات .
وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء و النظر في الآيات والأحاديث فوجدوا أن
التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة أنواع :
الأول : توحيد الربوبية : وهو
" إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك، والتدبير "
وتفصيل ذلك :
أولاً: بالنسبة لإفراد الله تعالى بالخلق فالله تعالى وحده هو الخالق لا خالق سواه قال الله تعالى :
( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو )
وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار :
( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون )
فالله تعالى وحده هو الخالق خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وخَلْقُهُ يشمل ما
يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً، ولهذا كان من تمام
الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالقٌ لأفعال العباد كما قال الله
تعالى :
( والله خلقكم وما تعملون )
ووجه ذلك أن فعل العبد من صفاته، والعبد مخلوق لله، وخالق الشيء خالق
لصفاته، ووجه آخر أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة، والإرادة
والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل وخالق السبب التام خالق للمسبب .
فإن قيل :
كيف نجمع بين إفراد الله عز وجل بالخلق مع أن الخلق قد يثبت لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى: ( فتبارك الله أحسن الخالقين)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين :
" يقال : لهم : أحيوا ما خلقتم " ؟
فالجواب على ذلك :
أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله فلا يمكنه إيجاد معدوم، ولا إحياء
ميت، وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل الشيء من صفة إلى صفة
أخرى وهو مخلوق لله - عز وجل - فالمصور مثلاً، إذا صور صورة فإنه لم يحدث
شيئاً غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء كما يحول الطين إلى صورة طير
أو صورة جمل، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة فالمداد
من خلق الله عز وجل، والورقة البيضاء من خلق الله عز وجل، هذا هو الفرق
بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله، عز وجل وإثبات الخلق بالنسبة إلى
المخلوق .
وعلى هذا يكون الله سبحانه وتعالى منفرداً بالخلق الذي يختص به .
ثانياً :
إفراد الله تعالى بالملك فالله تعالى وحده هو المالك كما قال الله تعالى :
( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير )
وقال تعالى : ( قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه
) فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده، ونسبة
الملك إلى غيره نسبة إضافية فقد أثبت الله عز وجل لغيره الملك كما في قوله
تعالى :
( أو ما ملكتم مفاتحه )
وقوله.. ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم )
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً لكن هذا الملك
ليس كملك الله عز وجل فهو ملك قاصر، وملك مقيد، ملك قاصر لا يشمل،
فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد،
ثم هذا الملك مقيد بحيث لا يتصرف الإنسان فيما ملك إلا على الوجه الذي أذن
الله فيه ولهذا نهى النبي، صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وقال الله
تبارك وتعالى : (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً )
وهذا دليل على أن ملك الإنسان ملك قاصر وملك مقيد، بخلاف ملك الله سبحانه
وتعالى فهو ملك عام شامل وملك مطلق يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء ولا
يسأل عما يفعل وهم يسألون .
ثالثاً :
التدبير فالله عز وجل منفرد بالتدبير فهو الذي يدبر الخلق ويدبر السماوات والأرض كما قال الله سبحانه وتعالى :
( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين )
وهذا التدبير شامل لا يحول دونه شيء ولا يعارضه شيء .
والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات كتدبير الإنسان أمواله وغلمانه وخدمه
وما أشبه ذلك هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق فظهر بذلك صدق صحة قولنا
: إن توحيد الربوبية هو " إفراد الله بالخلق والملك، والتدبير "