الملاحظة: Observation
تعد الملاحظة من أول الأساليب البحثية التي
استخدمها الباحثين والعلماء، فهي التي قادتهم إلي طريق الاكتشافات
والاختراعات. ولم تبق الملاحظة كوسيلة ساعدت على تحقيق الكثير في مجال
الإضافة العلمية ولكنها أيضاً أصبحت طريقة من طرق البحث العلمي في ما
يتعلق بجمع المادة العلمية خاصة ما هو متعلق بجمع البيانات . وإن كانت
الملاحظة من أبسط الطرق العلمية لجمع البيانات فهي تختلف عن الملاحظة
العابرة والتي تتم دون إعداد خاص أو عدم وجود هدف محدد تسعى لتحقيقه أو
عدم توفر قواعد علمية وخطوات تسير عليها لتحقيق الهدف من اللجوء إليها.
والملاحظة في مجال الدراسات الاجتماعية رؤية منظمة ممزوجة باهتمام بظاهرة
معينة، مهتمين بدراستها لكي نتمكن من تفسيرها. فهي إذن ملاحظة مقصودة
ودقيقة ومنظمة وموجهة وهادفة وعميقة تعمد إلى الوصل إلى فهم علمي عم ما
تتم ملاحظته لأي ظاهرة اجتماعية. والملاحظ العلمية تستخدم وسائل وأدوات
تبعاً لنوع الملاحظة والظاهرة التي تتم ملاحظتها. وتقع مسئولية تحديد
الأدوات المتعلقة بالملاحظ والوسائل التي يستخدمها الملاحظ في القياس.
فالملاحظة العلمية هي مشاهدة منهجية تعتمد على الحواس وما تستعين به من
أدوات الرصد والقياس، كما تعتمد على العقل الذي يقوم باختيار الوقائع
ويحلل ما يلاحظ منها ويصنفها تبعاً للقواعد العلمية وترتيب تلك الوقائع
لإدراك العلاقات أو الصلات فيما بينها أو بعبارة أخري كشف الغموض للشيء
الذي تمت ملاحظته (الهواري، 1993: 293).
والوقعة الاجتماعية فريدة في طريقة حدوثها فيه ليست مثل الوقائع الطبيعية
التي يمكن أن تلاحظ في مواقع عدة وفي أوقات كثيرة . أن كل موقف اجتماعي هو
لحظة من تاريخ فرد أو أكثر من الناس، وهو (الموقف) نهاية أو في نفس الوقت
بداية لسلسة أو مجموعة من السلاسل الاجتماعية. بهذا، فإن العلوم
الاجتماعية تدرس مواقف لا تكرر بنسف الدرجة التي حدثت بها. ذلك الأمر يصعب
من درجة تعميم تلك المواقف علي مجتمعات أخرى (عمار (مترجم)، 1993: ص 64).
من هذا المنطلق يمكننا أن نقسم الملاحظة إلى قسمين رئيسين هما:
الملاحظة العابرة:
وهي ما يلاحظه الفرد خلال حياته اليومية ولا يستفيد من تلك الملاحظة في
مراحل لاحقة. لذا تنتهي تلك الملاحظة دون الاستفادة منها في أغلب الأوقات.
كما أنها تتم دون قصد ممن من يلاحظها، أي هي نتاج الصدفة في مجملها.
الملاحظة العلمية:
تأخذ الملاحظة العلمية أهميتها من الإضافة التي ألحقت بها ونقصد بذلك
مصطلح العلمية. يعد مصطلح العلمية هو تلك الخطوات والإجراءات التي يجب أن
تتبع لكي تصبح الملاحظة علمية. تلك الخطوات والإجراءات المسبقة تساعد في
تقليل عملية التحيز الذي يمكن أن ينتج من الباحث وإن كانت لا تلغيه. كما
أن الملاحظة العلمية تدفع من يقوم بها إلى تحقيق قدراً كبيراً من
الموضوعية. ويتم الإعداد للقيام بالملاحظة العلمية من قبل الباحثين قبل
حدوثها. فالباحث الذي يرغب في تفسير ظاهرة أو التعرف على طبيعة العلاقات
بين جوانب ومحددات الظاهرة التي يرغب الباحث في التعرف عليها وكشف الغموض
الذي يكتنف نشأتنها. فيه بذلك تختلف من مجرد تسجيل ما يتم ملاحظته من قبل
الباحث إلي كونها نهج علمي يساعد في الوصول إلى الحقيقة العلمية من خلال
تفسير ما تم الحصول عليه من الملاحظة.
فالباحث يستخدم جميع ما يمتلكه من حواس في ملاحظته يصل إلى دلائل أو
علامات يتمكن من خلالها من بناء حل نظري يفسر الظاهرة التي هو بصددها أو
يصل إلى علاج إلى نظري أيضاً للمشكلة التي يلاحظها. والملاحظة العلمية لا
تتوقف عند مرحلة معينة في تستمر مع الباحث من بداية تعرضه للظاهر أو
المشكلة الاجتماعية حتى يصل إلى التأييد أو الرفض للحل المقترح الذي يدور
حولها البحث (الشيباني، ب ت : ص 208-209).
وتعد الملاحظة العلمية وسيلة من أهم الوسائل في المنهج التجريبي وخطوة
أساسية من خطواته، كما لها نفس الأهمية في المناهج الاجتماعية مثل منهج
المسح الاجتماعي ومنهج دراسة الحالة والمنهج المقارن والمنهج التاريخي
(يعتمد على ما تم تدوينه القائم في الأصل على ملاحظة الوقائع، أو ما هو
متوفر من آثار مادية وأدبية)، (الشيباني، ب ت : ص 211-212).
ويمكننا أن نميز الملاحظة العلمية عن الملاحظة العبرة بأنها:
- الملاحظة العلمية موجهة يُهدف منها متابعة أحداث معينة أو التركيز إلى أبعاد محددة دون غيرها.
- الملاحظة العلمية مقننة، لا تسير بالصدفة وإنما يتبع الباحث فيها إجراءات معينة معتمدة.
- الملاحظة العلمية هادفة، ترمي إلى تسجيل معلومات خاصة بطريقة منتظمة.
- الملاحظة العلمية لا تتم بحواس الملاحظ فقط وإنما يستعين بأدوات تزيد من فاعليتها ودقتها (الهواري، 1993: 295).
- الملاحظة العلمية يمكن تكرارها، كما يمكن لأكثر من باحث دراستها، وذلك
للتأكد من صحة ما تم ملاحظته ودقة البيانات التي تم التوصل لها (أحمد،
1989 ص 267).
- عندما تكون الملاحظة متعلقة بدراسة علمية أو إحدى أدواتها.
- يمكن التأكد من البيانات التي تم الحصول عليها كما أن البيانات تتصف بالثبات والمصداقية.
- تم الإعداد لها بترو كما تعد الملاحظ العلمية نتيجة لإعدادات وتجهيزات سابقة (Judd & other 1991:P. 274)
ثبات وصدق وأخلاقيات الملاحظة العلمية
Reliability, Validity, and Ethics of Observation
الملاحظة العلمية كغيرها من الأدوات البحثية يجب أن تتوفر فيها متطلبات
المادة العلمية مثل الثبات والصدق كما أنها يجب ألا تخرج عن أخلاقيات
البحث. وفيما يلي عرض لتلك المتطلبات.
أولاً : ثبات الملاحظة Reliability of Observation
يتطلب الثبات أن تتصف البيانات التي يتم الحصول عليها بالثبات وخلوها قدر
الإمكان من الأخطاء العشوائية الناتجة لتطبيق قياسات معينة. ويمكن تحقيق
الثبات عن طريق طريقتين هما:
- وتختص الطريقة الأولى بمدى التوافق الذي يصل إليه أثنين أو أكثر عند
قياس موقف واحد (أنظر كيفية تطبيقها في ص ؟؟). فإذا كان الثبات ضعيف فذلك
يعني أن مصداقية البيانات محل تساؤل. أما إذا لم يوجد اتفاق بين الملاحظين
فإننا لا نستطيع تقيم ما تم ملاحظته، أي أنه غير ذات جدوى.
- أما الطريقة الثانية فتتعلق بالنظر إلى الثبات على فترات زمنية، وهذا
الأسلوب يشابه أسلوب تطبيق الاختبار ثم إعادته مره أخرى للتأكد من الثبات
(Test-Retest). أي ان السلوك أو الموقف يتكرر كلما تمت ملاحظته.
صدق الملاحظة Validity of Observation
يعد الصدق من أهم الأمور التي يجب أن تتحقق في البيانات التي يتم الحصول
عليها، لأنه لا فائدة من بيانات غير متأكدين من صدقها.لذا فإن الصدق
المتعلق بالبيانات يعكس مدى عكس البيانات التي تم الحصول عليها لما هو صمم
لقياسه. مع ملاحظ أن الثبات لا يعني الصدق وإن كان العكس صحيح.
أخلاقيات الملاحظ Ethics of Observation
- تعد أخلاقيات البحث العلمي من الأمور التي يجب توخيها عند القيام
بالملاحظة، لأن المًلاحظ له حقوق يجب أن تراعى. فمن غير المعقول ملاحظة
أفراد دون علمهم أو أنهم لم يوافقوا على القيام بتلك الملاحظة. لذا يجب
ألا ينتج عن الملاحظة أي ضرر للمُلاحظ أو تسبب في تأثيرات نفسية لاحقة
(Judd & other 1991:P. 275-276)
ومن ثم فإن جوهر وأهمية الملاحظة العلمية لا تتمثل فقط مجرد تسجيل ما يتم
ملاحظته ووصفه من وقائع للظاهرة المدروسة، وإنما المهمة الصعبة التي تواجه
الباحث الذي يستخدم الملاحظة العلمية في جمع البيانات والمعلومات بل تتمثل
في قدرته على إدراك ما لاحظه من علاقات بين جوانب وأبعاد وعناصر الظاهرة
التي يرغب في دراستها. وهذا يعني أن استخدام الملاحظة العلمية في البحث
العلمي بصفة عامة والبحث في المجالات الاجتماعية بصفة خاصة يتطلب من
الباحث قدرات ومهارات وخبرات خاصة تمكنه من تسجيل ما يلاحظه بدقة وموضوعية
في نفس الوقت. عند نجاح الباحث في تحقيق ذلك فإنه قطع نضف الطريق نحو
التعرف على طبيعة تكوين الظاهرة ويبقى عليه تحليل وتفسير تلك الملاحظة
العلمية التي تم الحصول عليها للوصول إلى الفهم العلمي عن طبيعة العلاقات
المكونة للظاهرة الاجتماعية المدروسة (ناصف، 1997: ص46 ).
على الرغم من الأهمية العلمية للملاحظة العلمية من أهمية في مجال الدراسات
الاجتماعية لكنها تعجز عن التعامل مع ظاهرة حدثت، أي أن الظاهرة تتعامل مع
موقف آني وليس مع موقف ماضي وهذا الأمر يعد من إحدى سلبياتها. أما السلبية
الأخرى فتتمثل عجز استخدام الملاحظة في دراسة أنواع معينة من السلوك
الإنساني كالسلوك الجنسي أو بعض الأزمات أو الخلافات الأسرية (حسن، 1985 :
ص 309).
الملاحظة العلمية نوعان هما الملاحظة البسيطة Simple Observation و الملاحظة العلمية المنتظمة Systematic Observation
أولاً: الملاحظة البسيطة Simple Observation
تعد الملاحظ البسيطة من أساليب جمع البيانات العلمية وإن لم تكن تحظى
بدرجة قبول عالية نظراً لأنها تعتمد في الغالب على مشاهد حية في غالبها
غير متكررة ولكنها تفيد في مجال الدراسات الاستطلاعية.
ثانياً: الملاحظة العلمية المنتظمة Systematic Observation
وتعد الملاحظ المنتظم نوعاً آخر من الملاحظة العلمية والتي يستخدما الباحث
للحول على بيانات بشكل منتظم، ونقصد بذلك الانتظام أن العملية التي تتم
بها القياس تأخذ زمناً منتظماً أي أن القياسات تتم بصورة منتظمة تبعاً
للزمن. ويتم ذلك من خلال تقسيم المدة التي سوف تتم فيها الملاحظة إلى
فترات زمنية محددة يأخذ منا الباحث قياسات منتظمة من خلال عينة منتظمة. أي
أن القياسات سوف تتم على فترات زمنية محددة، تلك العملية سوف تضمن تمثيلاً
للسلوك الفردي المتوقع حدوثه. ومثال ذلك أن يقوم الباحث بعملية الملاحظ
عشر دقائق من كل ساعة. هذا الأسلوب يتطلب أن يكون السلوك المعني بالملاحظة
يحدث بصفة متكررة .(Nachmias & Nachmias, 1987: PP. 213-215)
- وتُعرف الملاحظ العلمية المنتظمة على أنها: تلك العملية المتعلقة
باختيار وتسجيل وتحويل مجموعة من السلوك الفردي التلقائي أو أي ظاهرة
اجتماعية أو غير اجتماعية تتم ملاحظتها. وهي وسيلة لدراسة للعلاقات
الترابطية التي تسبب تلك السلوكيات. (Judd & other 1991:P. 278)
كما تعتبر الملاحظ المنتظمة من أكثر الأساليب علمية في مجال الحصول على
بيانات علمية من خلال ملاحظة الآخرين . إن تلك الدرجة من الدقة لم نصل
إليها إلا عن كونها تتميز في ما يلي:
- تخضع لضبط عالي من الناحية العلمية فيما يتعلق بطبيعة الملاحظة ومادتها.
- تحدد فيها ظروف المكان الزمان .
- تستخدم فيها وسائل متعددة تستخدم في عمليات التسجيل أو الملاحظة.
تهدف إلى الحصول على معلومات دقيقة عن الظاهرة المدروسة لاختبار وقياس الفرضيات (غرابيه، 1981: ص 34).